صلاح الدين وقصة كفاح
صلاح الدين ...... إسم لا بد لنا من التوقف عنده والتمعنفي شخصية هذا القائد العظيم ..... الذي أستعاد للأمة العربية بيت المقدس ....بعد أندنسه اليهود عدة عقود ....
كانت حضارة جديدة عجيبة قد نشأت في سورياوفلسطين . ذلك أن الأوربيين الذين استوطنوا هذين البلدين منذ عام 1099 قد تزيواشيئاً فشيئاً بالزي الشرقي فلبسوا العمامة والقفطان اللذين يوائمان مناخ تلك البلادذات الشمس والرمال . وزاد اتصالهم بمن يعيشون في تلك المملكة من المسلمين فقل بذلكما بين الجنسين من تنافر وعداء فأخذ التجار المسلمون يدخلون بكامل حريتهم البلدانالمسيحية ويبيعون أهلها بضاعتهم وكان المرضى من المسيحيين يفضلون الأطباء المسلمينواليهود على الأطباء المسيحيين وأجاز رجال الدين المسيحيون إلى المسلمين أن يؤمواالمساجد للعبادة وأخذ المسلمون يعلمون أبناءهم القرآن في المدارس الإسلامية القائمةفي إنطاكية وطرابلس المسيحيتين وتعهدت الدول المسيحية والإسلامية بأن تضمن سلامةالتجار والمسافرين الذين ينتقلون من إحداهما إلى الأخرى .
وإذ كانالصليبيون لم يأتوا معهم إلا قليل من زوجاتهم فقد اتخذ كثيرون ممن أقاموا منهم فيالدول المسيحية لهم زوجات سوريات وسرعان ما كون أبناء هذا الزواج المختلط عنصراًكبيراً من سكان الدول الجديدة وأصبحت اللغة العربية لغة التخاطب اليومي العامةللسكان وعقد الأمراء المسيحيون أحلافاً مع الأمراء المسلمين ضد منافسيهم منالمسيحيين كما كان الأمراء المسلمون في بعض الأحيان يستعينون " بالمشركين " في شئونالسياسة والحرب.
ونمت صلات المودة الشخصية بين المسيحيين والمسلمين. وقدوصف الرحالة ابن جبير الذي طاف بسوريا المسيحية في عام 1183 بنى دينه المسلمينبأنهم ينعمون بالرخاء ويلقون معاملة حسنة على يد الفرنجة. وكان مما ساءه أن يرى عكاغاصة بالخنازير والصلبان تفوح منها رائحة الأوربيين الكريهة ولكنه يأمل أن يتحضرالمسيحيون بالحضارة التي وفدوا إليها ولاتي هي أرقى من حضارتهم.
وظلت مملكةأورشليم اللاتينية في سني السلم الأربعين التي أعقبت الحملة الصليبية الثانيةتمزقها المنازعات الداخلية على حين أن أعداءها المسلمين كانوا يسيرون بخطى حثيثةنحو الوحدة .
فقد مد نور الدين سلطانه من حلب إلى دمشق (1175) ولما ماتأخضع صلاح الدين لسلطانه مصر وسوريا الإسلامية (1175) ونشر تجار جنوى والبندقيةوبيزا الاضطراب في الثغور الشرقية بمنافساتهم القاتلة.
وفي أورشليم أخذ الفرسانيتنازعون للاستيلاء على العرش. ولما استطاع جاي ده لوزينان أن يشق إليه طريقهبالختل (1186) استاءت لذلك طبقة الأشراف حتى قال أخوه جوفري: " إن يكن جاي هذاملكاً فأنا خليق بأن أكون إلهاً ".
ونصب ريجلند أمير شاتيون نفسه أميراًمستقلاً في قلعة الكرك العظيمة وراء نهر الأردن على حدود بلاد العرب وكثيراً ما خرقاتفاق الهدنة المعقود بين الملك اللاتيني وصلاح الدين
وأعلن عزمه على أنيغزو بلاد العرب ويهدم قبر النبي في المدينة ويدك أبنية الكعبة في مكة.
وأبحرتقوته الصغيرة المؤلفة من الفرسان المغامرين في البحر الأحمر واتجهت نحو المدينةولكن سرية مصرية باغتتها وقتلتها عن آخرها إلا عدداً قليلاً فروا مع ريجنلد وبعضالأسرى الذين سيقوا إلى مكة وذبحوا في يوم عيد النحر (1183).
وكان صلاحالدين في هذه الأثناء قد قنع بشن الغارات الصغيرة على فلسطين فلما رأى ما فعلهريجلند ثارت حميته الدينية فأخذ ينظم من جديد جيشه الذي فتح به دمشق والتقى بقواتالمملكة اللاتينية في معركة غير حاسمة عند مرج ابن عامر ذي الشهرة التاريخية (1183) ثم هاجم ريجلند عند الكرك بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت ولكنه لم يستطع دخول القلعةالحصينة.
وفي عام 1185 وقع مع المملكة اللاتينية هدنة تدوم أربع سنين ولكنريجلند مل فترة السلم الطويلة فاعترض في عام 1186 للمسلمين ونهب كثيراً من متاعهاوأسر عدداً من أفرادها ومنهم أخت صلاح الدين وقال ريجنلد: " إذا كانوا يثقون بمحمدفليأت محمد لينقذهم ".
ولم يأت محمد ولكن صلاح الدين ثارت ثائرته فأعلنالجهاد على المسيحيين ونشبت المعركة الفاصلة في الحروب الصليبية كلها عند حطينبالقرب من طبرية في اليوم الرابع من شهر يوليه سنة 1187.
وكان صلاح الدين ملماًبمعالم الأرض فاختار لجيوشه الأماكن المشرفة على آبار الماء ودخل المسيحيون ميدانالمعركة يلهثون من الظمأ بعد أن اخترقوا السهول في حر منتصف المحرق .
وانتهز المسلمون فرصة هبوب الريح نحو معسكر الصليبيين فأشعلوا النار فيالأعشاب البرية وحملت الريح الدخان فزاد فرسانهم وقتلوا عن آخرهم وبعد أن ظلالفرسان يقاتلون قتال اليائسين ضد السلاح والدخان والظمأ خروا منهوكي القوى فقتلمنهم من قتل وأسر الباقون .
ولم تظهر جيوش المسلمين شيئاً من الرأفة بفرسانالمعبد أو المستشفى وأمر صلاح الدين أن يؤتى له بالملك جاي والدوق ريجنلد فلماأقبلا عليه قدم الشراب إلى الملك دليلاً على أنه قد عفا عنه أما ريجنلد فقد خيرهبين الموت والإيمان برسالة النبي فلما رفض قتله.
وكان مما غنمه المسلمون فيهذه المعركة الصليب الذي كان الصليبيون يتخذونه علماً لهم في المعركة ويحمله فيهاأحد القساوسة وقد أرسله صلاح الدين إلى الخليفة في بغداد. ولما رأى صلاح الدين أنهلم يبق أمامه جيش يخشى بأسه زحف لتحرير عكا وأطلق فيها سراح أربعة آلاف أسير منالمسلمين وكافأ جنوده بما غنمه من ثروة هذا المرفأالكثير المتاجر وخضعت فلسطين كلهاتقريباً لصلاح الدين وبقيت في قبضة يده بضعة اشهر.
ولما اقترب من بيتالمقدس خرج إليه أعيانها يعرضون عليه الصلح فقال لهم إنه يعتقد كما يعتقدون هم أنهذه المدينة بيت الله وإنه لا يرضيه أن يحاصرها أو يهاجمها.
وعرض على أهلها أنتكون لهم الحرية الكاملة في تحصينها وأن يزرعوا ما حولها من الأرض إلى ما بعدأسوارها بخمسة عشر ميلاً دون أن يقف أحد في سبيلهم ووعدهم بأن يسد كل ما ينقصهم منالمال والطعام إلى يوم عيد العنصرة فإذا حل هذا اليوم ورأوا أن هناك أملاً فيإنقاذهم كان لهم أن يحتفظوا بالمدينة ويقاوموا المحاصرين مقاومة شريفة أما إذا لميكن لهم أمل في هذه المعونة فإن عليهم أن يستسلموا من غير قتال وتعهد في هذه الحالأن يحافظ على أرواح السكان المسيحيين وأموالهم.
ورفض المندوبون هذا العرضوقالوا إنهم لن يسلموا المدينة التي مات فيها المسيح منقذ الخلق. ولم يطل حصارالمدينة أكثر من اثني عشر يوماً ولما أن استسلمت بعدها فرض صلاح الدين على أهلهافدية قدرها عشر قطع من الذهب (47.50 ريالاً ) عن كل رجل وخمس قطع عن كل امرأة وقطعةواحدة عن كل طفل أما فقراء أهلها البالغ عددهم سبعة آلاف فقد وعد بإطلاق سراحهم إذاأدوا إليه الثلاثين ألف بيزانت (270.000 ريال ) التي بعث بها هنري الثاني ملكإنجلترا إلى فرسان المستشفى. وقبلت المدينة هذه الشروط " بالشكر والنحيب " على حدقول أحد الإخباريين المسيحيين ولعل بعض العارفين من المسيحيين قد وازنوا بين هذهالحوادث وبين ما جرى في عام 099. وطلب العادل أخو صلاح الدين أن يهدي إليه ألف عبدمن الفقراء الذين بقوا من غير فداء فلما أجيب إلى طلبه أعتقهم جميعاً وطلب بليانزعيم المقاومين المسيحيين هدية مثلها وأجيب إلى ما طلب وأعتق ألفاً آخرين وحذا حذوهالمطران المسيحي وفعل ما فعل صاحبه وقال صلاح الدين إن أخاه قد أدى الصدقة عن نفسهوإن المطران وباليان قد تصدقا عن نفسهما وإنه يفعل فعلهما ثم أعتنق كل من لم يستطعأداء الفدية من كبار السن ويلوح أن نحو خمسة عشر ألفاً من الأسرى المسيحيين بقوابعدئذ من غير فداء فكانوا أرقاء.
وكان ممن افتدوا زوجات وبنات النبلاءالذين قتلوا أو أسروا في واقعة حطين. ورق قلب صلاح الدين لدموع أولئك النساءوالبنات فأطلق سراح من كان في أسر المسلمين من أزواجهم وآبائهن (ومن بينهم جاي) أما " النساء والبنات اللاتي قتل أزواجهن وآباؤهن فقد وزع عليهن منه ماله الخاص ماأطلقألسنتهن بحمد الله وبالثناء على ما عاملهن به صلاح الدين من معاملة رحيمة نبيلة " ذلك ما يقوله إرنول مولى باليان.
وأقسم الملك والنبلاء الذين أطلق سراحهمألا يحملوا السلاح ضده مرة أخرى ولكنهم ما كادوا يشعرون بالأمن في طرابلس وإنطاكيةالمسيحيتين حتى أحلهما حكم رجال الدين من يمينهما المغلظة وأخذ يدبرا الخطط للثأرمن صلاح الدين.
وأجاز السلطان لليهود أن يعودوا إلى السكنى في بيت المقدسوأعطى المسيحيين حق دخولها على أن يكونوا غير مسلحين وساعد حجاجهم وأمنهم علىأنفسهم وأموالهم وطهرت قبة الصخرة التي حولها المسيحيون إلى كنيسة بأن رشت بماءالورد وأزيل منها الصليب الذهبي الذي كان يعلوها بين تهليل المسلمين وأنينالمسيحيين. وسار صلاح الدين على رأس جيشه لحصار عكا ولما وجدها أمنع من عقاب الجوسرح الجزء الأكبر من جنده وانسحب وهو مريض متعب إلى دمشق (1188) في الخمسين من عمره .
ــــــــــ ــــــــــــ رحم الله